.بقلم: عبد السلام خلفي
تقديم
هناك خطاطة أسطورية في التاريخ الإخباري الإسلامي تتم عمليةُ استعادتِها كلما تعلق الأمر بأصول الأمازيغ بشمال إفريقيا. والحقيقة التي يجب تسجيلها، في هذا الصدد، هي أن هذه الخطاطة تحكمها بنية فكرية ميتولوجية تعود، في العمق، إلى الصورة التي ظل الساميون يحملونها عن غير العرب من الشعوب التي تنتمي إلى حوض البحر الأبيض المتوسط. فمن المعلوم أن كل المخيال الذي تحمله الشعوب العربية عن أصولها تعود، بالدرجة الأولى، إلى تلك القصص التي أوردها الإخباريون، نقلاً عن مظان توراتية أُخذت بدورها عن حضارات الشرق الأوسط وآسيا وشمال إفريقيا وجنوب أوروبا. ولكي نفهم هذا الإلحاح الذي يمتاز به بعض الذين يدَّعون أن أصول الأمازيغ من اليمن، فإنه لا بد، في نظرنا، من الوقوف عند الخلفية الميتولوجية التي تتحكم في هذا الادّعاء. ولم يكن لنا أن نعود إلى هذا الموضوع الذي طرحناه جانباً منذ زمن بعيد، والذي اعتبرناه موضوعاً متجاوزاً لا يستحق المناقشة إلا في إطار أكاديمي، لولا المهاترات الإيديولوجية التي بدأت تظهر مؤخراً على السطح، والتي لم يكن لها من هدف إلا خلق نوع من البلبلة الفكرية للتراجع عن ما تم تحقيقه للغة الأمازيغية وثقافتها، بل إن لم يكن من أجل إقبار هذه اللغة وهذه الثقافة اللتين تعيشان، للأسف الشديد، آخر أيامهما في ظل سياسة عروبية ممنهجة، يعقوبية، إقصائية ومدمرة.
والجدير بالذكر أن مقاربتنا للموضوع ليست مقاربة تاريخية، ولكنها مقاربة ذات أبعاد أنتروبولوجية تستعيد القصص الديني الذي اتُّخذ دائماً مرتكزاً لتأكيد «تاريخية الأصول»، ولتأويل مضامينها كي تخدم أغراضاً إيديولوجية واضحة. ومن هنا فإن المقاربة لا تعالج القصص في علاقتها بحجية الأحداث التاريخية، كما لا تعالجها بوصفها نصوصاً من إنتاج الوحي القرآني. إذ أن هدفنا ليس هو التوقف عند الحدث التاريخي ولا التوقف عند القصة القرآنية، وهو مشروع آخر يستحق البحث، ولكن الهدف الأساسي منه هو التوقف عند القصة الدينية عموماً في تعالقها مع التحولات الفكرية والمعتقدية والسياسية لشعوب ظلت تستعمل الدين من أجل تحقيق غايات الهيمنة العرقية والثقافية والحضارية، والتي تم استرجاعها، للأسف، مع ظهور القومية العربية والتيارات الإسلاموية. ولهذا أرجو من القارئ الكريم أن يتتبع معي، بقليل من الصبر، مراحل هذه الأسطورة – الأصل التي تحولت إلى «حقيقة تاريخية وقرآنية»، وجعلت من الأمازيغ شعباً ذا أصول يمنية..